في السياسة، وتحديداً في لبنان تربط القوى السياسية “انتصاراتها وهزائمها” بالمكتسبات والارباح التي تجنيها، لا بحقوق المواطنين وتأمين حاجاتهم، هكذا يصبح تشكيل الحكومة اسير حسابات خاصة لدى الجميع علما انه امر بديهي في مسار الانتظام العام وحاجة اكيدة للمواطنين.
يبرز اليوم وبعد اشهر من تكليف الرئيس سعد الحريري سؤال اساسي، هل هناك خاسر حقيقي من تشكيل الحكومة اللبنانية؟
ضمن الظروف الحالية لا يبدو ان من مصلحة ايّ من الطرفين الاساسيين المعنيين بالتشكيل، الذهاب الى تأليفها، فالرئيس ميشال عون ، وفي حال وافق على تشكيل حكومة ضمن التوازنات المطروحة عليه، سيخسر الكثير بالتأكيد.
لم يعد لدى الرئيس عون الكثير من الامال والطموحات لتحقيق انجازات جدية، وحتى غير جدية خلال ولايته، وهمه الاساس اليوم هو حماية حضوره السياسي وضمان مستقبل تياره وخليفته.
قزّي لـ “الأنباء”: تأليف الحكومة عاد إلى نقطة الصفرتدخلات خارجية تضغط للاسراع في التأليف… العقبات الداخلية تتخطى الحكومة الى ما بعد العهد
من هنا يبدو ان تشكيل حكومة في الاصل تحت الرعاية الفرنسية لا يقدم ولا يؤخر لعون، لانه من الاصل ربما كان راغباً في الاستفادة من الاستعجال الاميركي للحل في بيروت (وهذا الامر لم يعد موجوداً) من اجل الذهاب الى مقايضة بين تسهيل التأليف ورفع العقوبات عن النائب جبران باسيل مثلا.
في كل الاحوال لم يعد الملف اللبناني اولوية راهنة للاميركيين الاميركيون، لذلك فإن عون ليس لديه مصلحة بالتشكيل الا بضمان ثلاثة امور، من دونها يعتبر نفسه خسر المعركة الاساس.
الامر الاول امتلاك الحقائب المرتبطة بالانتخابات النيابية (الداخلية والعدل) ، فهذه الحكومة ان تشكلت اليوم او بعد سنة، ستشرف على الارجح على الانتخابات النيابية والبلدية، اي على انتخاب المجلس الذي سينتخب رئيس الجمهورية المقبل.
الامر الثاني تسمية الوزراء المسيحيين من دون شراكة مع احد، وهكذا يستطيع عون ان يحافظ على المكتسبات التي حققها تحت لواء الشراكة واعادة المسيحيين الى السلطة.
اما الامر الثالث فهو الثلث المعطل، وهو خيار الضرورة لعون في حال حصول فراغ رئاسي.
وهكذا فان ان تشكيل حكومة اليوم من دون خطة انقاذ شاملة، وهي غير واردة، ومن دون تحقيق هذه الشروط ، ليس في مصلحة عون.
اما الرئيس المكلف سعد الحريري فوضعه ليس مختلفاً كثيراً وهو الراغب في اصلاح ما انكسر مع القيادة السعودية، اذ يجد انه ، في حال شكل حكومة اليوم ، فستكون حكومة خاضعة لـ”حزب الله”، واسوأ من الحكومة التي سقطت بفعل الحراك الشعبي.
سيحصل الحزب وحلفاؤه على ١٢ او ١٣ وزيراً من اصل ١٨ وزيراً في اي حكومة مقبلة، وهذا امر سيكون بمثابة قطع للطريق مع الرياض، الا في حال اعطت الاخيرة الضوء الاخضر للحريري للقبول بهذا الطرح.
من جهة ثانية، فان الحريري مصلحة استراتيجية بالتشكيل عموما، لانه يرغب بالعودة الى السلطة بسرعة استثنائية لاعادة تنظيم شارعه وشد عصبه تمهيدا للانتخابات النيابية المقبلة.
وسط هذه المعطيات يطرح السؤال ، ما نفع السلطة من دون تحقيق ما يمكن للمواطنين تلمسه ايجابا في الازمتين الاقتصادية والمالية؟ وهذا ما يدركه الحريري جيداً، لذلك فهو لا يريد حكومة يتقاسم فيها القرار مع الوزير جبران باسيل لان توجهات الطرفين الاقتصادية مختلفة، ولان الحريري ذاهب الى توافقات جدية مع الفرنسيين من اجل القيام بإصلاحات سيدر والحصول على دعم مالي مقبول.
والخلاصة يبدو من حسابات المعنيين بتشكيل الحكومة، ان مصلحة لهم بذلك، الا بعد تحقيق كل منهم شروطه المتناقضة مع شروط الآخر…